في الشعر العظيم

عندما نتحدث عن الشعر العظيم الباذخ المترف والمشبع بالبهاء وبالدهشة ..الشعر المترع بدنان نور وأقداح ضوء ..الشعر المعرّش والمشرّش في ثنايا نبضه ياسمين الله ببياضه الكثيف الكثيف وعبقه الـ يضوع ألف ألف عام وعام والمجبول ماء وطين ..

عندما نتحدّث عن الشعر العظيم تنتابنا قشعريرة مديدة ورعشة وانتشاء ..نمتلئ نجوما وكواكب وأقمارْ ..ونتمدد بفرح اطفال العالم على مساكب حبق قرانا الممعنة بنعناعها ..بأهازيج الأمهات في مساءات صيف يهرهر أعراسا وحكايا سمار الكروم
الشعر الذي يحملنا تجاه عوالم من سواقي وحقول قمح يانع وكروم من عنب وتين ندخلها أطفالا آمنين خاشعين
كل هذا وذاك ينتابنا ونحن نقرا بعض نصوص الرموز من شعراء الإشراق والعرفان الذين كنزوا في شعرهم دهشة استثنائية تأتت من ألق استثنائي بثه الله في أرواحهم المبدعة فأنتجوا أنهارا وينابيع شعر وأسراب عصافير
شعراء من مقامات الفرات ودجلة والنيل ..شعراء من مقام حضارات بابل وكنعان وسومر ..شعراء من غمام ومطر
شعراء أثروا تاريخ الجمال بأعذب القصائد وأبهاها شعراء من مقام ابن الفارض والحسين بن منصور الحلاج ورابعة العدوية ومحي الدين ابن عربي وابن سينا والسهر وردي والمكزون السنجاري ومنتجب الدين العاني واخوان الصفا وجلال الدين الرومي وحافظ الشيرازي والتبريزي ..الخ
ومما لاشك فيه أن الشعراء الطافحين بالجمال وبالدلال وبالجلال وبالكمال مما أتينا على ذكرهم آنفاً أنهم تعرضوا بالقدح وبالذم ..لا وبالتكفير أيضا ولاقوا ما لاقوه من عذاب وتهديد بالقتل لا بالقتل أيضا مثل ( الحسين ابن منصور الحلاج – السهر وردي) نموذجا ..
ولسنا في وارد تحليل وتفنيد الرؤى والنظريات التي أتوا بها وعليها ولكننا سنفرد فسحة تليق بالجمال ..بالشعر العظيم من خلال أيراد بعض ما فاضت بها أرواحهم من عذب الكلام وأبهاه السهر وردي في حنينه لعالم النوار يقول :
أبَـدًا تَحِـنُّ إليكمُ الأرواحُ
وَوِصَالُكم رَيْحـانُها والرَّاحُ
وقلوبُ أهْلِ ودادِكُم تشتاقُكمْ
وإلى جلال لقائكم ترتاحُ
واحَسْـرَتا لِلْعَاشِقِينَ تَحَـمَّلُوا
سِرَّ المحبَّـةِ والْهَـوَى فَضَّـاحُ
بِالسِّرِّ إن باحُوا تُباحُ دِماؤهُمْ
وكذا دماءُ العاشقين تُباحُ
وإذا هُمُ كـتَموا تحَدَّثَ عنهمُ
عِنْدَ الوُشَاةِ الْمَدْمَعُ السَّحَّاحُ
وأيضا مافاضت به روح المكزون من نور المعنى إذ قال :
لَبَّيتُ لَمّا دَعَتني رَبَّةُ الحُجُبِ
وَغِبتُ عَنّي بِها مِن شِدَّةِ الطَربِ
وَأَحضَرَتني مِن غَيبي لَتَشهَدني
جَمالُها في حِجابٍ غَيرَ مُحتَجِبِ
مَشهودَةٌ لا يَراها في الأَنامِ بِها
خَلقٌ وَقَد شوهِدَت بَينَ الخَلائِقِ بي
مَوصوفَةٌ لَم أَصِف إِلّا وَصيفَتُها
وَهيَ العَلِيَّةُ عَن نَظمي وَعَن خَطبي
ونختم ببعض ما قاله عمر بن الفارض :
‎شَربنا عَلى ذكر الحبيبِ مُدامةً
سَكِرنا بها، مِن قبل أن يُخلَقَ الكَرْمُ
‎لَها البَدرُ كأسٌ، وهي شمسٌ، يُديرها
هلالٌ، وكم يبدو إذا مُزِجتْ نَجْمُ
وقالوا: شربتَ الإثمَ! كلا، وإنما
شربتُ التي، في تركها عنديَ الإثمُ
‎هنيئا لِأهلِ الدير! كم سكروا بها،
وما شربوا منها، ولكنهم همُّوا
إنهم الشعراء الذين شربوا من كاس المحبة فانتشوا ..سكروا فداروا دورتهم العرفانية الاشراقية في فلك الحقيقة وفاضوا نجوما وكواكب وأقمار شعر ومحبة

عباس حيروقة

المزيد...
آخر الأخبار