على ضفاف العاصي : لأنها حلب

لأنّها حلب لا يمكن أن أرفض أو أن أتردد في تلبية أيّ دعوة تصلني من أيّ منبر ثقافي
هناك ..لا بل على العكس تماماً أمتلئ فرحاً وحبوراً وسروراً.. كيف لا وحلب التي احتضنتني بكامل مدنيّتها وأنا الشّاب الأسمر الرّيفي الشّاب الذي يلعثمه الجمال الجلال الدلال .. أرتبك .. يتعتعني البياض الكثيف تكور الأقمار ..ارتفاعاتها في جلابيب القصيدة ..أعدو كوعل بري ألف التلال .. الشّاب الرّيفي الذي وصلها وفي جيوبه حفنة قمح وفراخ عصافير ..وصلها وعلى ثيابه غبار تربة تلك الحقول الضّالعة في الحنين ..الطّاعنة في الوفاء للماء وللرّيح وللمواويل الشّاب العشريني الذي مشى الدّروب حافياً , حقول الحصاد , صعد الجبال ,أصغى طويلاً طويلاً لتراتيل الماء المتجه شمالاً وسط تهليل التّراب في كرنفال مهيب .. الرّيفي الذي أرعش طفولته أعشاش العصافير ..شلالات الزّاوي ..بيادر القمح.. قطيع الغمام الذي تسرح به الرّيح على تلال وسهول السّماء وتهش بعصاها عليه .. حلب التي شهدت لا بل حملت شوارعها أولى خطواتي تعثرت هنا وهناك فكانت الأم التي مدت يدها لأنهض وتابعت المسير .. حلب ..ما الذي يمكن أن أقوله يا حلب ؟؟!! لَبيت أنا وصديقي الشّاعر محمد حسن العلي منذ أيام قليلة دعوة صديقي وأخي الشّاعر الفلسطيني المتقن لأبجديات الوفاء محمود علي السّعيد رئيس اتحاد الكتّاب والصّحفيين الفلسطينيين – رئيس النّادي العربي الفلسطيني الذي أخجلني فيما أفاض عليّ من كرم ترحيبه وتقديمه لي بحضور كوكبة من أدباء حلب ..وحين وقفت على المنبر عدت ذاك الشّاب الذي وقف أول ما وقف على منبر في هذه المدينة هو منبر النّادي العربي الفلسطيني ..قلت : منذ ما يقارب الثّلاثين عاماً وقفت ذات الوقفة وكانت أولى قراءاتي الشّعرية في حلب من على هذا المنبر وبتقديم أيضاً من الشّاعر الصّديق محمود علي السّعيد فكم أنا مدين له في انطلاقتي .. ولأنّها حلب التي أحب كل تفاصيلها وأتغنى (ويحق لي ) بها وبكل ما فيها من حيوية وألق لاسيما منابرها الثّقافية الأهلية منها والرّسمية فقد استضافنا في جلسة استثناء ( نادي حلب الثّقافي ) بإدارة صديقي وأخي الشّاعر محمد بشير دحدوح في مقر بيت الأمة السّوري لصاحبه الأستاذ مصطفى قلعجي بحضور ثلة من أدباء حلب الذين أغنوا اللقاء بحوارات وطنية وقراءات أدبية .. وكان اللقاء الثّالث في بيتنا الكبير الكبير كما أقول دائما بدعوة من اتحاد الكتّاب العرب – فرع حلب .. وقفت على المنبر وجلت بناظريّ في المكان وتنفست الصّعداء وقلت قبل أن أقرأ ما قرأت قلت : كم مهيب هذا المنبر وعظيم ؟؟!! هنا كان يجلس الدّكتور نعيم اليافي ويتحدث بحيوية غير مسبوقة عن المغامرة النّقدية وهنا كان يجلس الأستاذ محمود فاخوري وهنا وقف جلال قضيماتي وعصام ترشحاني وفايز العراقي ونظيم أبو حسان وعبود كنجو وغيرهم من شعراء ليرتلوا عذب القصائد ..وهنا كم أصغينا مطولاً لمحاضرات محمد قجة – محمد الراشد – عبد الفتاح قلعجي – وتأملنا في الرؤى النّقدية لكل من النّقاد : فؤاد مرعي – سعد الدّين كليب – نضال الصّالح – زياد محبك – محمد حسن عبد المحسن نعم هي ذي حلب كم نهلت من معين أقمارها فاهتديت وكم أزاح وهج شموسها بعض الحجب إلى أن رأيت .. نعم هي ذي حلب التي ما إن أقف في ساحة سعد لله الجابري حتى أفور شعراً ودمعاً وينابيع .. وما إن أقف على درج الحديقة العامة قبالة تمثال سيف الدّولة الحمداني حتى أهطل مطراً وموسيقى وبتلات ياسمين .. حلب كانت ومازالت وستبقى بوابة النّور الأعلى والأوسع ندخلها آمنين راضيين مرضيين

عباس حيروقة

المزيد...
آخر الأخبار