من البداهة أن نقول إن الطفولة أو الطفل العربي عموما والسورية خاصة تعرض في السنوات العشر الأخيرة لهزات لا بل لزلازل خلّفت دمارا شبه تام في المفاهيم والقيم والأخلاق المتوارثة التي نشأ وتربى عليها ..زلازل وهزات تركت تشوها بصريا ونفسيا واجتماعيا وفكريا ..
والعائلة السورية ككل لا سيما الأطفال أنهكتهم الحرب الظالمة التي كانت سببا في دخول ثقافات غريبة عن المجمع السوري ..العقل السوري..البيت السوري
ثقافة القتل وتقطيع الأطراف والرؤوس وبقر البطون ..ثقافة حرق حقول القمح والغابات والكروم ..ثقافة ضرب المؤسسات و..الخ من مشاهد ألفها طفلنا السوري طوال السنوات العشر الأخيرة
كل هذا وذاك بات لزاما علينا كسوريين معنيين بالشأن الثقافي مؤسسات رسمية ..أهلية ..أفراد أن نستنفر كل الطاقات والإمكانات للتخفيف عن طفلنا تلك الآثار التي تحدثنا عنه سابقا وهذا ما يستوجب عقد ورش عمل وحلقات بحث وإنشاء مراكز دراسات خاصة من شانها إعادة الطفل إلى لغته السورية الأولى بكامل بهاء مفرداتها الطافحة بالجمال وبالمحبة وبالخير وبالسلام ..
العمل بكل السبل والطاقات لإعادة طفلنا إلى ماكان عليه قبل الحرب من علاقات خاصة مع أبهى مفردات المكان ( حقول القمح – اليانبيع – الأنهار- الغابات – البحار – الصحراء ..أسراب الحمام ..اليمام ..الفراش ..الخ
بات لزاما علينا أن نعمل لنعيد لأطفالنا أناشيدهم وطائراتهم الورقية بألوانها المبهجة ..وقصصهم وحكاياهم وأغانيهم وموسيقاهم و..الخ
نعم كل هذا وذاك وعت ودعت له وعملت عليه وزارة الثقافة من خلال غير مشروع وطني من شانه رسم البسمة على شفاه أطفالنا وتبديد حالات الرعب والخوف والقلق ونأمل أن تتضافر جهود الوزارة – وزارة الثقافة مع غير وزارة معنية بالنهوض المجتمعي لعلّنا نستطيع طرح أسئلة تليق بدهشة طفل حين يجد دميته الضائعة خلف ركام الحروب
كل هذه المقدمة لنقول إن وزارة الثقافة – مديرية ثقافة الطفل وعبر مديريات الثقافة في مختلف المحافظات أقامت احتفاليتها بمناسبة يوم الطفل العربي تحت عنوان هام وبهي ( تراثي ذاكرتي وهويتي ) والتي ستستمر من 17 ولغاية 21 تشرين الأول ..
ومن الأهمية أن نشير إلى أن الوزارة اختارت محافظة حماة لتكون منها انطلاقة الاحتفالية فكان يوم السبت الماضي يوم ثقافة حقيقية عاشته مدينة حماة بحضور السيدة الدكتورة لبانة مشوح وزيرة الثقافة والتي عقدت غير اجتماع على هامش الاحتفالية كان بداية مع الأطفال واليافعين والشباب وأدارت الحوارات الموسعة معهم بحضور السيد محافظ حماة ومن ثم تبعه لقاء آخر مع الكوادر ورؤساء المراكز الثقافية وقفت من خلاله على بعض ما يعترض العمل الثقافي في بعض المراكز الثقافية ..
وكان لي مداخلة انطلقت بها من مقولة فيلسوف ذاك الزمان أفلاطون ( نحن مجانين إن لم نفكر ومتعصبون إن لم نرد أن نفكر وعبيد إن لم نجرؤ على التفكير ) لأطالب بعدها بضرورة امتلاك القدرة على قرار التفكير وبصوت عالي أيضا وأن العمل الثقافي مسؤولية كبيرة تحتم علينا العمل على بناء منصات ثقافية وورش عمل دائمة الانعقاد بالتعاون مع اتحاد الكتاب العرب وغيره من المؤسسات المعنية
للبحث في أسباب التقصير أو الحلقة المفقودة التي قادتنا إلى ما نحن عليه من حال ليست بالصحية والتي أدت إلى عزوف الناس جميعها تقريبا عن ارتياد المركز الثقافية ..عن اقتناء الكتاب ..عن ..عن ..الخ والتي ساهمت بشكل ما إلى ما وصلنا إليه اليوم هشاشة
ختاما : لابد من تسجيل الإعجاب بنهج السيدة الوزيرة والذي عماده الحوار والإصغاء مع جميع الكوادر والفعاليات والطاقات الإبداعية ..نعم مجرد فتح نوافذ لا بل أبواب الحوار فهو لعمري ظاهرة تستحق الوقوف عندها ..
عباس حيروقة