لا أحد يستطيع أن ينكر أن الشبكة العنكبوتية (الأنترنت) ثمرة من ثمار التقدم العلمي الذي حققه عقل الإنسان المعاصر ،وهو إنجاز رائع له مزاياه،كما أنه كأي شيء آخر ينطوي على مساوىء عديدة.
فمن مزاياه أنه جعل العالم قرية صغيرة،فالخبر ينقل في لحظة إلى كل مكان،والمنشورات تصل لتوها إلى شتى بقاع الأرض،كما أن الناس والأصدقاء والأقرباء يتواصلون في أي وقت بالصوت والصورة والكتابة،وكم صديق لم أره منذ عقود من الزمن،وانقطع خبره عني،رأيته في مواقع التواصل ،وأرسلت له أو أرسل لي طلب صداقة،فجمعتنا تلك المواقع من جديد،كما أن في تلك المواقع كتبا ومجلات وحلقات علمية مصورة بمختلف الأمور،وندوات فكرية وثقافية وسياسية تعود بفائدة عظيمة على من يريد الفائدة…
ومن مزايا الشبكة أيضا أنها تعرف الكاتب أو الشاعر أو الفنان أو الناشر عموما برأي الناس في منشوره،ولكن لو نشر ذلك في صحيفة أو مجلة لما عرف رأي الآخرين ،كما أن هذه الشبكة كاشف حقيقي لمعادن الناس والأصدقاء ،فتجد بعضهم يتجاهل من يعلق له فلا يعلق،ولا يكلف نفسه بوضع إشارة تدل على أنه قرأ المنشور أو التعليق فيكشف مرضى النفوس عن أنفسهم ،في حين تجده طلق اللسان،مسهبا في التعليق والإطراء على منشورات الإناث،ولكن من عيوب تلك المواقع أنها صارت مجالا لنشر ما هب ودب لمن أراد أن ينشر ، وساد فيها الكثير من الادعاء والكذب والتضليل، فقنوات إعلامية كثيرة تبث سمومها للناس ،تديرها جهات معينة لخدمة أهداف مرسومة لها، وهذه القنوات تضلل الناشئة بأخبار كاذبة، لأن هؤلاء لا خبرة لهم في تمييز الغث من السمين .
كما أن كثيرا من الناشرين وجدوا تلك الوسائل مجالا خصبا لكذبهم ، وزيفهم،وادعاءاتهم…فهذا يدعي أنه يحمل المؤهل الفلاني ، وذاك يقول أنه من البلد الفلاني،ويقيم في المدينة الفلانية…ناهيك عن إطراء المعلقين على منشور ضعيف أو رديء،يدفعهم لذاك الإطراء،مجاملة الناشر ليس غير.
ومن عيوب وسائل التواصل أنها شغلت وقت الشباب عن التحصيل العلمي،وقراءة ما يفيدهم،فارتفع مستوى التوتر لديهم ،وقل انتاجهم، وتشتت تفكيرهم، وتراجع مستواهم الدراسي، وبعضهم أصيب بمرض التوحد …إضافة إلى رؤيتهم مواقع إباحية فيها خطر كبير على سلوكهم القويم.
إن شبابنا يحتاجون إلى توعية كبيرة من قبل الآباء أولا، والمدرسين ثانيا في وقت استخدام مواقع التواصل، وما يمكن أن يحصلوه من فوائد كثيرة بحصر استخدامهم لها بالتواصل مع الأصدقاء، وقراءة ما يفيدهم من كتب ، والاطلاع على المواقع الثقافية والفكرية بجزء من وقتهم حتى لا يكون لذلك تأثير على وضعهم النفسي والدراسي ، وحتى تبني أجيال المستقبل بناء سليما، فهم اللبنة الأساسية في نهضة الوطن والأمة ، والأمل في خلاصنا مما نعانيه من مشكلات تؤرق الكبير والصغير فينا على حد سواء.
د.موفق السراج