على ضفاف العاصي: ليس كغيره من الفنون

الشعر فن عظيم وصعب, بل أراه أصعب الفنون على الإطلاق لما يحتاجه من أمور عديدة لاتتوافر في أي إنسان.. وقد نص عليها النقاد منذ القديم, وليس في هذا المكان موضع لذكرها.. ومع ذلك فقد كثر أدعياء الشعر في عصرنا كثرة مفرطة, وما نراه في الصحف والمجلات, ومواقع التواصل الاجتماعي، وما يُلقى على المنابر, كثير منه من هذا القبيل، ولايستحق أن يسمى شعراً.. فالمتسلقون على الشعر صار عددهم فوق الحصر والوصف.. ومنهم من طبع مجموعات غثة, هزيلة, ونال بها عضوية ما كي يحقق منها مكاسب معينة لنفسه… وتم رفضه مرات عديدة، ولكنه نال مأربه, بعد ذلك, بعلاقاته الشخصية، وأساليبه التي انتهجها في حياته.. وأشعار هؤلاء ينطبق عليها ماقاله أبو العلاء المعري لرجل أسمعه قصيدة, ثم أراد أن يسمع رأيه فيها فقال له أبو العلاء: (أُفٍّ , وتُفّ, وجَوْرب وخُفّ, لاتصلح أن تكون نعلاً..) وليت أمثال هؤلاء عرفوا قول الحطيئة الذي نصَّ على صعوبة الشعر, والإساءة إليه من قبل الأدعياء والمتسلقين قائلاً: 
الشعر صَعْبٌ، وطويل سُلَّمُهْ 
إذا ارتقى فيه الذي لايعلمُهْ
زلَّت به إلى الحضيض قَدمُهْ 
يريدُ أن يعربه فيعجمُهْ
وهل يمكن لنا أن ننسى قول الشاعر الفرزدق, وهو من هو بين الشعراء: (قلع ضرس من أضراسي أهون عليَّ من قول بيت من الشعر) .. وإنني أقول إن هؤلاء كثيرون ولكنهم كالحصى لاتلتفت إليهم عين من العيون, وليتهم بحثوا لأنفسهم عن شيء ينجحون به, ويلمعون عملاً بقول الشاعر: 
إذا لم تستطع أمراً، فدَعْهُ 
وجاوزهُ إلى ماتستطيعُ
والأنكى من ذلك, والأدهى, والأمرّ، أن يثني عليهم بعض متسلقي الثقافة أيضاً فيقولون لأحدهم: ياسلام، قصيدة رائعة, لله دَرُّك من شاعر.. 
وأما الشعراء الحقيقيون الكبار الذين أجمع الناس على نبوغهم, وإبداعهم, وتألقهم, فهم قلة قليلة, في القديم والحديث, وأرى أنهم كقمم الجبال قليلة ولكن تراها عيون الناظرين جميعاً في أي مكان وزمان، ومن أية جهة كانت, وحالهم كحال المتنبي حين قال: 
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي 
وأسمَعتْ كلماتي مَنْ به صَمَمُ
د. موفق السراج
المزيد...
آخر الأخبار