” طويلٌ دربُ الشعر و الإبداع و قصيرة هي الحياة .. فهل في وسعي مع هذا التناقض أن أعطي شعرا ينفع الناس و يمكث في الأرض؟ لَكَم أتمنى ذلك! و لا أكف عن محاولة القيام به.”
ضمن إطار تعريف الناشئة بأعلام اللغة والأدب و الشعراء المعاصرين المنحدرين من مدينة حماة ، نقف اليوم مع شاعر تميز بعطاءات موسومة بوفرة الجمال و الإحساس الباذخ و الحياة المتدفقة.
محمد منذر لطفي شاعر و أديب وُلد في مدينة حماة عام ١٩٣٥م ، و ضابط طيار ركن سابقا. حاز على ماجستير في العلوم السياسية، ثم على شهادة الدكتوراه في العلوم العسكرية تخصص الطيران، و قد عمل ضابطا طيارا لمدة عشرين عاما .
هو رئيس سابق لفرع اتحاد الكتاب العرب في حماة لمدة عشر سنوات( ١٩٩١ – ٢٠٠١ )، و عضو سابق لمجلس الاتحاد بدمشق لمدة عشر سنوات، و أمين سر رابطة المحاربين القدماء بحماة.
تنوعت مؤلفاته التي أصدرها بين كتابة الشعر و إبداعه و دراسته و كتابة الخاطرة، و قد نشر أعماله و بحوثه و دراساته في الصحف و الدوريات القطرية و العربية .
كما تُرجمت بعض قصائده إلى اللغات الإسبانية و الفارسية و الفرنسية و البلغارية .
نذكر من مؤلفاته التي أبدعها شعراً :
– أغنية إلى حبيبي ١٩٦٢
– من أغاني المطر ١٩٦٨
– بابل و الضوء الجديد ١٩٧٠
– أمطار الربيع الدافئة ١٩٧٦
– عزف منفرد لزهرة المدائن ١٩٩٠
– تداعيات بين يدي أبي العلاء المعري ١٩٩٤
– قصائد للوطن و الحب و الإنسان ٢٠٠٣
– الدخول إلى مملكة الحب ٢٠٠٦
و قد اتسمت قصائده بالتنوع فجاءت حينا ترتدي ثوبا موشى بتقاليد القصيدة الكلاسيكية و حينا تأتي بروح الحداثة مقتبسةً من رونقها . و مما لوحظ في شعره استلهامه التراث العربي و الماضي العريق و التغني بقيم الحب و الحياة و الوحدة، كما في مجموعته ( تداعيات بين يدي أبي العلاء المعري )، و قد ظهرت في شعره نزعات ثلاث : النزعة الذاتية و قد تمثلت بالحديث عن الحب و المرأة و الطبيعة و الوطن – النزعة الاجتماعية و تجلت من خلال اهتمامه بقضايا المجتمع من جهل و فقر و عذابات يواجهها الإنسان في سبيل الحياة- و النزعة الإنسانية التي تمثلت بالحديث عن الكون و الإنسان بشكل عام . و من مجموعته الشعرية ( الدخول إلى مملكة الحب ٢٠٠٦ ) نقتبس قصيدة جاءت ضمن خمس محطات غزلية بملامح رومانسية تنثال منها كل رقة و تُختتمُ قوافيها بكل عطر : ( يقولون – وتقولين ص ١١٨)
يقولون إن الهوى قصةٌ
تولّي مع الليل .. إذ ينجلي
لقد كذب العاذلون الحديثَ
فحبي لعينيك لم يرحلِ
فرشْتُ لكِ الدرب وردا.
فلا تقولي: حبيبيَ لم يفعلِ
تحنُّ إليكِ أماسي الهوى
و تدعوك دوما .. فلا تبخلي
و في قصيدته( بيني و بين المجتمع ص٨٧-٨٨ ) من مجموعته الشعرية ( تداعيات بين يدي أبي العلاء المعري) نقتبس بعضا من أبياتها و التي يدلل من خلالها على سيادة الفساد والظلام و البؤس و الجهل في المجتمع الذي تساوت لديه جميع الألوان و الأضداد :
و مجتمعي حلّ الفساد بأهله
فراح يعيش العمر ليلا .. بلا نجمِ
تعال معي .. نمشِ الهوينا بشارعٍ
لنعلم كم فيه من البؤس و الظلم
هناك فقير عضّه ناب دهره
و ساقته أيدي النائبات إلى السّقم
فلا صبحه صبحٌ.. ولا ليله دجى
تساوى لديه اللون في الصحو و النوم
الشاعر والأديب محمد منذر لطفي من الشعراء الذين لا ينبغي لشعرهم أن يتغيّب عن الحضور، و لا ينبغي لشمس إبداعه أن تصير إلى الأفول.. شاعر جدير بأن يلقى شعره الدراسة و الاحتفاء.
براء عبدو أحمد