معركة الدولة السورية من أجل الضوء.. الكهرباء بين الهدر والاصلاح

أمين التحرير_ فراس اليحيى

فقط في سوريا، يصارع الشعب والحكومة معا في بلد أنهكته سنوات طويلة من الحرب، ودمرت بنيته التحتية على جميع المستويات. وتبقى الكهرباء واحدة من أكثر القضايا إلحاحا وإثارة للنقاش، في ظل المطالب الشعبية المستمرة برفع ساعات التشغيل وتحسين واقع التغذية الكهربائية.

خسائر تشغيلية ضخمة تثقل كاهل الدولة

تواجه الدولة السورية اليوم عبئا ماليا هائلا نتيجة الكلفة التشغيلية العالية لقطاع الكهرباء، إذ بلغت الخسائر نحو 900 مليون دولار حتى الآن، وهي مبالغ مدفوعة لتأمين تشغيل المحطات وإيصالها للمشتركين، بعيدا عن الخسائر الضخمة الناتجة عن السرقات أو الفواتير غير المسددة.

هذه الأرقام تعكس حجم الإنفاق الكبير الذي تتحمله الحكومة لتأمين التيار الكهربائي، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة والعقوبات المفروضة، ما يجعل الحفاظ على استمرارية التشغيل تحديا حقيقيا يحتاج إلى وعي شعبي وتعاون جماعي.

منحة الغاز الأذري.. طوق نجاة مؤقت

الواقع الكهربائي الحالي يستند جزئيا إلى منحة الغاز الأذري المقدمة سنويا عبر الحكومة القطرية، والتي ساهمت في دعم عمليات التشغيل خلال الفترات الماضية.

لكن حال انتهاء هذه المنحة دون إيجاد بدائل مستدامة، فإن ساعات التشغيل قد تتراجع إلى ساعتين فقط يوميا، وهو ما سيعيد البلاد إلى مرحلة قاسية من التقنين وصعوبة الاستهلاك.

شبكات متهالكة وهدر متواصل

إلى جانب الكلفة التشغيلية الباهظة، تعاني سوريا من شبكات كهربائية مهترئة يعود عمرها إلى عقود مضت، ولم تعد قادرة على تحمل الأحمال المتزايدة أو مقاومة الأعطال المتكررة.

في حين أن عمليات الصيانة الجارية في بعض المحافظات مثل حماة أظهرت أن الجهود الميدانية في ضبط السرقات وصيانة الأعطال يمكن أن تحدث فارقًا ملموسًا، إذ ارتفعت ساعات التغذية هناك إلى أكثر من 6 ساعات يوميا وهي نتيجة إيجابية لكنها ما تزال دون الطموح العام.

سرقات الكهرباء: نزيف في العتمة

لا يمكن الحديث عن إصلاح حقيقي من دون مواجهة ملف السرقات والهدر الكهربائي، الذي يستنزف موارد الدولة. فبينما تتكبد الحكومة مليارات الليرات سنويًا لتأمين الطاقة، يتهرب عدد من المشتركين من دفع فواتيرهم، فيما يقدم آخرون على الاستجرار غير المشروع من الشبكات الرئيسية.
هذه الممارسات لا ترهق خزينة الدولة فقط، بل تؤدي إلى تقليل العدالة في توزيع الطاقة، وتبقي المواطنين في حلقة لا تنتهي من التقنين وفقدان الثقة بالمؤسسات.

كلنا مسؤولون

الأزمة ليست مسؤولية الحكومة وحدها. فترشيد استخدام الكهرباء أصبح واجبا وطنيا لا يقل أهمية عن الصيانة والإنتاج، وعلى المواطنين استخدام الأدوات الكهربائية بكفاءة، وإطفاء الإنارة غير الضرورية، وصيانة الأجهزة القديمة لتقليل الهدر. خطوات بسيطة، لكنها تحدث أثرًا تراكميًا كبيرًا ينعكس على استقرار الشبكة وزيادة ساعات التشغيل.

من الأزمة إلى الإصلاح

رغم قسوة الأرقام وضخامة التحديات، إلا أن ما يجري اليوم يشكل فرصة لإعادة بناء قطاع الطاقة على أسس أكثر متانة وشفافية، من خلال تحسين الجباية، وضبط السرقات، وتطوير آليات الدفع الإلكتروني لتسهيل التسديد على المواطنين.

إن الدولة السورية الجديدة، التي تنهض بإرادة أبنائها بعد سنوات من الاستبداد والتدمير، قادرة على إيجاد حلول مستدامة، إذا ما تضافرت جهود الجميع حول هدف واحدوهو إعادة الكهرباء إلى مكانتها كحق يومي لكل مواطن، لا كرفاهية موسمية.

الضوء مسؤولية مشتركة

إن النجاح في صيانة الشبكات، وضبط السرقات، وترشيد الاستخدام، سيكون بوابة عبور نحو استقرار اقتصادي وخدماتي طويل الأمد، فالضوء الذي ننتظره في شوارعنا وبيوتنا، يبدأ أولًا من وعي مشترك ومسؤولية جماعية، قبل أن يصل من محطة أو مولد أو منحة خارجية.

 

المزيد...
آخر الأخبار