الفداء_ عمار أبو شاهين:
يبدأ غداً الأول من تشرين الثاني تطبيق قرار وزارة الكهرباء بتعديل تعرفة الكهرباء في سوريا، في خطوةٍ تهدف إلى إعادة هيكلة القطاع وسط أزمة طويلة الأمد.
يقسم القرار التعرفة إلى شرائح تصاعدية، حيث يصل السعر إلى 600 ليرة سورية للكيلوواط/ساعة في الشريحة الأولى للاستهلاك حتى 300 كيلوواط خلال دورة فوترة شهرين تغطي نحو 70% من الأسر، ويصل إلى 1400 ليرة في الشريحة الثانية و1800 ليرة في الشرائح العليا والقطاع الصناعي الكبير، وفقًا لتصريح الوزير نضال الشعار “يأتي هذا التعديل لسد خسارة سنوية تصل إلى مليار دولار، حيث كانت التكلفة الفعلية للكيلوواط 1600 ليرة مقابل سعر بيع سابق لا يتجاوز 10 ليرات، مما يهدد بإغلاق المحطات إذا استمر الدعم غير المستدام”.
وأكدت الوزارة أن الإجراء “يراعي العدالة الاجتماعية، إذ يدفع الغني قدراستهلاكه، ويُعد خطوة أولى نحو إعادة التغذية إلى 24 ساعة يومياً”، مع دعم حكومي يغطي 60% من التكلفة الحقيقية للفئات المنخفضة الدخل.
في الوقت نفسه، يأتي هذا القرار وسط تطورات إيجابية أثرت على قطاع الطاقة في الأشهر الأخيرة، بدأ الأمر في آذار الماضي باستيراد غاز قطري مباشر عبر الأردن بمعدل 2 مليون متر مكعب يومياً ممولًا بالكامل من الدوحة كجزء من تضامن إقليمي لإعادة الإعمار، تلاه في آب ضخ الغاز الأذربيجاني عبر خط أنابيب تركي بتمويل قطري كامل يصل إلى 3.4 ملايين متر مكعب يومياً مع خطة لمضاعفة الكمية، مما عزز الإنتاج بنحو 400 ميغاواط في محطتي حلب وحمص ورفع ساعات التغذية إلى 5 ساعات يومياً أي زيادة بنسبة 40%، كما ساهم إيقاف قانون قيصر الأمريكي في أيار الماضي مع إنهائه الفعلي في تشرين الأول في تسهيل استيراد الوقود بأسعار السوق العالمية دون عقوبات، مما يُتوقع أن يخفض التكاليف تدريجياً، وتشير تقديرات هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية إلى احتياطيات غاز بحري هائلة قبالة الساحل السوري تصل إلى 230 مليار متر مكعب مثبتة مع إمكانيات إضافية قد تحول دون الاعتماد على الاستيراد إذا تم الاستثمار فيها.
مع ذلك، يظل الواقع اليومي للمواطنين يعكس صعوبات إنسانية عميقة، حيث يقتصر الإنتاج على 2200 ميغاواط مقابل حاجة وطنية تبلغ 7000 ميغاواط، مما يؤدي إلى انقطاعات تصل إلى 20 ساعة يومياً في المدن الكبرى وأكثر في المناطق الريفية، يفاقم فاقد الشبكة الذي يصل إلى 50% بسبب السرقة والتلف الناتج عن الحرب من الخسائر المالية، بينما تضيف الزيادة الجديدة ضغطاً على الطبقة الوسطى، حيث قد ترتفع الفواتير إلى 400 ألف ليرة شهرياً لأسر تستهلك 200-400 كيلوواط في ظل انخفاض الإنتاجية الصناعية بنسبة 60% وارتفاع تكلفة المولدات الخاصة إلى 0.50 دولار للكيلو واط، و تعبر الشكاوى الشائعة على وسائل التواصل عن إحباط شعبي مع مطالبات بجدول زمني واضح للتحسينات ودعم موازٍ مثل قروض للطاقة الشمسية، خاصةً مع رفع السعر السكني المتوسط إلى 0.07 دولار للكيلوواط.
في سياق إقليمي أوسع، يُعد السعر السوري الجديد (0.05-0.15 دولار للكيلوواط/ساعة) أعلى من العراق (0.015 دولار مع تغطية أفضل)، لكنه أقل من لبنان (0.247 دولار تجاري مع 22 ساعة انقطاع يومياً)، ويقارب مستويات الأردن (0.090 دولار) وتركيا (0.053 دولار)، هذه المقارنة تبرز الحاجة إلى ترجمة الدعم الإقليمي إلى راحة فورية، حيث يرى مراقبون أن الإصلاح الحكومي خطوة ضرورية للاستدامة لكنه يتطلب مراعاة أكبر للواقع المعيشي.
أما بالنسبة للحلول البديلة التي قد تخفف من حدة الزيادة، فيُشار إلى إمكانية تعزيز الشراكات الإقليمية لتوريد الوقود كخطوة قصيرة الأجل، مثل توسيع اتفاقيات الغاز مع قطر وأذربيجان التي بدأت في آذار وآب الماضي، ليشمل دعماً تشغيلياً مباشراً يغطي جزءًا كبيراً من تكلفة الإنتاج دون رفع الأسعار، مما قد يرفع ساعات التغذية إلى 12 ساعة يومياً خلال ستة أشهر كما يقترح البنك الدولي.
من جهةٍ أخرى، يمكن تحسين الكفاءة المحلية بتمويل خارجي كحل سريع، عبر استخدام المنح السعودية أو الإماراتية لمكافحة الفاقد في الشبكة بنسبة 40-50% من خلال تركيب عدادات ذكية وصيانة، مما يوفر مئات الملايين سنوياً ويسمح بزيادة بسيطة لا تتجاوز 20% في الشرائح الوسطى على غرار النموذج الأردني المدعوم من البنك الدولي.
أما في مجال الطاقة المتجددة كحل متوسط الأجل، فيُقترح الاستثمار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بدعم دولي، من خلال طلب منح من الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة لتركيب ألواح شمسية في المناطق الريفية، حيث يمكن أن تغطي 20-30% من الاستهلاك المنزلي بتكلفة أقل من 0.05 دولار للكيلوواط، مع تقديم قروض ميسّرة للأسر المتوسطة لتجنب الاعتماد على المولدات الباهظة، كما يمكن الحصول على منح دولية لتركيب توربينات هوائية صغيرة مستوحاة من النماذج الأوروبية والتركية، لتغطية احتياجات القرى بنسبة تصل إلى 30% بكفاءة أعلى في المناطق ذات الرياح المنتظمة، مما يعزز الاستدامة على المدى الطويل.
كما يمكن الاستفادة من الاحتياطيات المحلية التي تمثل خياراً استراتيجياً طويل الأجل، من خلال تسريع التنقيب عن الغاز البحري قبالة الساحل السوري باحتياطيات تصل إلى 230 مليار متر مكعب، بشراكات مع شركات تركية أو أوروبية بعد رفع العقوبات لتحقيق الاكتفاء الذاتي بنسبة 30% خلال عامين مع دعم فني من صندوق التنمية القطري.
أخيراً، يبقى الأمل معلقاً في وعد وزارة الكهرباء بمراجعة التعرفة خلال ستة أشهر بناءً على النتائج الفعلية، مما قد يفتح الباب أمام تعديلات إيجابية إذا نجحت الاستثمارات الجديدة في تحسين الخدمة، في قطاع يُعد شريان الحياة اليومية.
ويتوقع السوريون أن تكون هذه الخطوة جسراً نحو استقرار أفضل لا مجرد عبء مؤقت، معتمدين على الشفافية والمتابعة الدقيقة للوعود الرسمية.
المزيد...