على ضفاف العاصي
وانت تستقبل صباحات أيلول الندية ..ثمّة احاسيس تداهمك فجأة وتأخذك في مراكب الحنين ، مراكب الخريف كوريقات صفراء (تطفر قي الدرب ) على رأي الشاعر الكبير الراحل سليمان العيسى …او تتجمع (تحت الشبابيك ) التي تنتظر ان تودع احبّة يمموا وجوههم شطر القرى الغافية مع النجوم …
مع صباحات ايلول تبدا دورة جديدة للحياة تشمل كل المفاصل اليومية ..تتغير التفاصيل وتتدل الأولويات ، بدءاً من الاستيقاظ وحتى نهاية اليوم …
في ايلول تفتح المدارس ابوابها التي إشتاقت للتلاميذ والطلبة ، إشتاقت لصخبهم وشقاوتهم وتصرفاتهم وشغبهم البريء وهم يتنكبون حقائبهم العامرة بالكتب والقرطاسية ولفات الزعتر …
إشتاقت المدارس للمعلمين والمدرسين وهم ينتصبون في القاعات الصفية يوزعون من فكرهم وعلمهم ومعارفهم زرعاً خيّراً ننتظر حصاده بناء وإعماراً وتنمية …
مع صباحات أيلول تزدهي الطرقات والدروب بأطفالنا وطلابنا بلباس المدرسة ..حركة حثيثة متلاحقة تبدا باكراً ..الامهات يجهزن أبنائهن كما يجب وقلوبهن تهفو إلى مدارسهم …إلى معلّميهم الذين يبذلون قصارى جهدهم لاداء هذه الرسالة بتفانٍ وإخلاص …
ونحن نستقبل إفتتاح المدارس يمر شريط الذكريات مسرعاً كلمح البصر ..نتذكر مدرستنا الغافية على تلّة في قرية قصر ابن وردان على تخوم البادية ، مدرستنا المبنية بالحجر الأزرق وابوابها الخشبية وكذلك سقفها ، باحتها الترابية الصغيرة ، صفوفها المجمّعة .طيور السنونو وقد بنت أعشاشها داخل الصفوف .المراة العجوز (زينة الدار ) التي كانت تنقل الماء على رأسها لنشرب في الفرص ، الدوام المسائي ، المعلمون الذين يقطنون في المدرسة واحياناً في القرية وهم في قمة البذل والعطاء ..
و…
هي ذكريات دافئة تنبض بالحب والحياة تعانق مخيلتنا مع إطلالة شهر أيلول والعودة إلى المدرسة مع ما يرافقها من طقوس الاستعداد والتأهب ، او يوميات المدرسة والتي تنتظم في مواعيدها ، الجميع يضبط إيقاع حياته مع المدرسة والتي تحتضن الابناء بمودة ومحبة ، فهي البيت الثاني بكل ما تحمله وتقدمه من معارف وسلوكيات وأبجديات الحياة ..
وبالرغم من الصعوبات التي تواجه الاسر والتلاميذ والطلاب في تامين مستلزمات الدراسة وغلاء القرطاسية والألبسة ، لكن ثمة تدابير ومبادرات أهلية ومجتمعية في مدننا وقرانا تتمثل بالأيادي البيضاء وعمال الخير في تامين مستلزمات الدراسة للكثير من التلاميذ والطلبة، هؤلاء يستحقون الشكر والإمتنان لعملهم الخيّر ومبادراتهم الطّيبة ، ونامل ان تتسع وتزداد هذه المبادرات سواء على مستوى الافراد او المجتمع الأهلي او المؤسسات العامة للتخفيف على أسر الطلبة وزرع الإبتسامة على شفاه اطفالنا وهم يتوجهون إلى مدارسهم وقلوبهم تنبض بالحب والخير والحياة .
هذه السلوكيات ليست جديدة على مجتمعنا فهي من سماته وطبعه الأصيل المبني على التعاون والتعاضد والإيثار وهذا ما نعتز به ونفخر ويجعلنا نتجاوز الصعوبات ونعبر إلى بر الآمان ، للمساهمة في مسيرة التربية والعلم وإعادة الإعمار ،بروح المسؤولية وبناء صروح الوطن الذي نحب ونزنره بالمُقل واهداب العيون .
مع صباحات ايلول كل عام وتلامذتنا وطلابنا فلذة اكبادنا بألف خير …
كل عام وبناة الاجيال ، بناة الوطن ، بناة الإنسان ، بألف ألف خير .
*حبيب الإبراهيم