تابعنا وبكثير من الحزن والآلام والغصّات ما تعرضت له سوريتنا النور جرّاء زلزال مهيب بقوة 7,8 على مقياس ريختر فجر يوم الأحد في السادس من شباط
.. زلزال خلّف دماراً وخراباً ومواتا ..خلف حالات تشرّد وشتات ..حالات بكاء وعويل ونواح ..
زلزال قويّ لم يضرب المنطقة منذ مئات السنين ,ولست هنا في وارد ذكر ما تعرضت له البلاد من هزات وزلازل عبر العصور, ولست في وارد تعداد عدد الضحايا والمفقودين والجرحى الكبير ..ولن أتحدّث عن ما قامت به مؤسسات الدولة الرسمية منها والأهلية من إجراءات للتخفيف من حدة ووطأة المصاب الجلل
..ولكن ما يمكن الحديث به وعنه هو تلك الحالات الإنسانية الأخلاقية التي عكستها غير بادرة وسلوكيات تبدّت لكل شاهد عيان ..حالات عكست وتعكس ما هو عليه وبه السوري من قيم الخير والمحبة ..حالات تطفح بالمحبة وبالكرم وبالإنسانية ..
السوري الذي أنهكته الحرب وأسئلة الحياة الأشد رعباً حرب بدّدت وغيّبت الكثير منّا بين شهداء ومفقودين وجرحى وبين أخوة لنا في المنافي ..في الشتات
ليأتي هذا الزلزال المدمر ويزيد مأساتنا وشتاتنا وعذاباتنا
وبالتالي علينا اليوم أن نكون – وأخال أننا كنا- بحجم سوريتنا والعقل السوري الأول الذي صدّر للعالم كل العالم مفردات الحب والخير والسلام
نحن السوريون ألفنا الموت والغربة والاغتراب ..فسنوات الحرب الطوال العجاف درّبتنا على المشي تجاه المقابر وجعلتنا نتفنن في تزيين قبور موتانا وزرع الريحان والورود أنّى أقمنا والاهتمام بعنونة قصائد المراثي كاهتمامنا بتربية الأبناء..
وبالعودة للحديث عن تلك الحالات التي قرأنا وسمعنا لا بل ورأينا فرسانها نقول : إنهم أبناء أمنا سورية
اليوم تداعى السوري ليقاسم أخيه السوري الرغيف وزجاجة الماء والغطاء والرداء وزجاجة الدواء
سمعنا وشاهدنا كيف تنازل السوري لأخيه السوري عن كل ما يملك ..آواه وأطعمه وألبسه من قوت يومه ..دفع بما يملك من آليات ..من أرصدة ..من طاقات ليخفف عن أخيه من وقع الموت المخيف المهيب ..
نعم هذا ليس بالغريب عنه إذ سبق وتقاسم الرغيف مع أخيه اللبناني والعراقي والفلسطيني..وقطع من قوت يومه ليرسل لأخيه الجزائري والسوداني واليمني ..فكيف لا يكون كل هذا وأكثر من أخيه – ابن أمه وأبيه – السوري
السوري الذي انتصر لكل قضايا المظلومين والمقهورين والمسحوقين ..
ولكن في المقلب الآخر رأينا الوجه القبيح المرعب للسياسة وما تركته من كبير الشرخ والبون بينها وبين القيم الأخلاقية ..سياسات دول تدّعي الديمقراطية وانتصارها للإنسانية لا بل تنصب من نفسها حماة لحقوق الإنسان تقف اليوم بكل وقاحة وتحاول منع وصول المساعدات من طعام ودواء للسوري المتضرر من زلزال مدمر ضرب بلاده
ومن المبهج – في زمن قلّت فيه البهجة – أن رأينا أخوة لنا في غير دولة كيف كسروا الحصار غير الشرعي المفروض علينا عبروا الحدود براً بقوافل مساعدات ورأينا كيف مطارات سورية ( دمشق – حلب – اللاذقية ) غصّت بطائرات مليئة بالمساعدات الاغاثية من دول شقيقة وصديقة ..
نعم أمام هول الكارثة الإنسانية لابد من صحوة للضمير ..لا بد من الانتصار لنزعة الخير داخلنا والعمل على تقويتها وتعزيزها على حساب نزعات أخرى كالأنانية والجشع والطمع وبناء الثروات والأمجاد .
هذا هو السوري الذي كان مدرسة للقيم والأخلاق والإنسانية ولا يمكن إلا أن يكون بما هو كائن ..
سلام عليك أيها السوري النبيل وأنت تدفن بعض قلبك في تراب وطنك المقدس وتنشد على وقع الهزات الارتدادية نشيد بقائك مخلدا أبديا كالفرات العظيم
عباس حيروقة